فصل: 1221 - مسألة‏:‏ مَنْ رَهَنَ رَهْنًا صَحِيحًا ثُمَّ أَنْصَفَ مِنْ بَعْضِ دَيْنِهِ أَقَلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


1216 - مسألة‏:‏

فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ بَطَلَ الرَّهْنُ وَوَجَبَ رَدُّ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ، وَحُلَّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ، وَلاَ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِثَمَنِ الرَّهْنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ حِينَئِذٍ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا‏}‏ فَإِذَا مَا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّمَا كَانَ حَقُّ الرَّهْنِ لَهُ، لاَ لِوَرَثَتِهِ، وَلاَ لِغُرَمَائِهِ، وَلاَ لأََهْلِ وَصِيَّتِهِ، وَإِنَّمَا تُورَثُ الأَمْوَالُ لاَ الْحُقُوقُ الَّتِي لَيْسَتْ أَمْوَالاً‏:‏ كَالأَمَانَاتِ، وَالْوَكَالاَت، وَالْوَصَايَا وَغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِمَوْتِهِ وَجَبَ رَدُّ الرَّهْنِ إلَى صَاحِبِهِ‏.‏ وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ فَإِنَّمَا كَانَ عَقْدُ الْمُرْتَهِنِ مَعَهُ لاَ مَعَ وَرَثَتِهِ، وَقَدْ سَقَطَ مِلْكُ الرَّاهِنِ عَنْ الرَّهْنِ بِمَوْتِهِ، وَانْتَقَلَ مِلْكُهُ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ إلَى غُرَمَائِهِ، وَهُوَ أَحَدُ غُرَمَائِهِ، أَوْ إلَى أَهْلِ وَصِيَّتِهِ، وَلاَ عَقْدَ لِلْمُرْتَهِنِ مَعَهُمْ، وَلاَ يَجُوزُ عَقْدُ الْمَيِّتِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ كَاسِبًا عَلَيْهِمْ، فَالْوَاجِبُ رَدُّ مَتَاعِهِمْ إلَيْهِمْ، وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَ هَذَا حُجَّةً أَصْلاً‏:‏

وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ فِيمَنْ رَهَنَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَمَاتَ‏:‏ أَنَّ الرَّهْنَ لَهُ أَيْ لِوَرَثَتِهِ، قَالَ‏:‏ الْحَكَمُ هُوَ لِلْغُرَمَاءِ‏.‏

1217 - مسألة‏:‏

وَمَنْ ارْتَهَنَ شَيْئًا فَخَافَ فَسَادَهُ كَعَصِيرِ خِيفَ أَنْ يَصِيرَ خَمْرًا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمَ فَيَبِيعَهُ وَيُوقِفَ الثَّمَنَ لِصَاحِبِهِ إنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ يُنْصِفَ مِنْهُ الْغَرِيمَ الْمُرْتَهِنَ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ يَصْرِفَ الثَّمَنَ إلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلاً، فَإِنْ لَمْ يُمَكِّنْهُ السُّلْطَانُ فَلْيَفْعَلْ هُوَ مَا ذَكَرْنَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى‏}‏ وَلِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَلأََنَّ ثَمَنَ الرَّهْنِ هُوَ غَيْرُ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا عَقْدُهُ فِي الرَّهْنِ لاَ فِي ثَمَنِهِ، وَإِنَّمَا ثَمَنُهُ مَالٌ مِنْ مَالِ مَالِكِهِ كَسَائِرِ مَالِهِ، وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1218 - مسألة‏:‏

وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ سِلْعَةٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ رَهْنًا عَنْ ثَمَنِهَا، فَإِنْ وَقَعَ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ، وَلَكِنْ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ إمْسَاكُ سِلْعَتِهِ حَتَّى يَنْتَصِفَ مِنْ ثَمَنِهَا إنْ كَانَ حَالًّا وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَنْعَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِ مَا اشْتَرَى مُدَّةً مُسَمَّاةً وَهَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لاَ يَمْلِكُ مَا اشْتَرَى إِلاَّ بِتَمَامِ عَقْدِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا، وَالْبَيْعُ لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِمَا نَذْكُرُهُ فِي ‏"‏ كِتَابِ الْبُيُوعِ ‏"‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخْيِيرِ، فَهُوَ مَا لَمْ يَتِمّ الْبَيْعُ فَإِنَّمَا الشَّيْءُ الْمَبِيعُ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، فَإِنَّمَا اشْتَرَطَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ كَوْنَ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ الْمُرْتَهِنِ رَهْنًا عِنْدَهُ نَفْسِهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا‏.‏

وَأَمَّا إمْسَاكُ الْبَائِعِ سِلْعَتَهُ حَتَّى يَنْتَصِفَ فَإِنَّ حَقَّهُ وَاجِبٌ فِي مَالِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ مَطَلَهُ بِحَقِّ قَدْ وَجَبَ لَهُ عِنْدَهُ، فَهُوَ ظَالِمٌ مُعْتَدٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذْ هُوَ ظَالِمٌ فَكُلُّ ظَالِمٍ مُعْتَدٍ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏ فَالسِّلْعَةُ الَّتِي ابْتَاعَ مَالٌ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُطَوَّلِ بِحَقِّهِ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَى الْمُعْتَدِي عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْهِ بِهِ نَصُّ الْقُرْآنِ، فَلَهُ إمْسَاكُ السِّلْعَةِ حَتَّى يَنْتَصِفَ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ‏:‏ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً فَنَقَدَهُ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ، فَقَالَ الْبَائِعُ‏:‏ لاَ أُعْطِيك السِّلْعَةَ حَتَّى تَجِيءَ بِالْبَقِيَّةِ، فَجَعَلَ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ السِّلْعَةَ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ‏.‏ وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ‏:‏ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ جَعَلَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا السِّلْعَةَ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ فَهَذَا عَمْرٌو صَاحِبٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ‏.‏

1219 - مسألة‏:‏

وَلاَ يَكُونُ حُكْمُ الرَّهْنِ إِلاَّ لِمَا ارْتَهَنَ فِي نَفْسِ عَقْدِ التَّدَايُنِ، وَأَمَّا مَا ارْتَهَنَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الرَّهْنِ، وَلِرَاهِنِهِ أَخْذُهُ مَتَى شَاءَ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الرَّهْنَ إِلاَّ فِي الْعَقْدِ كَمَا تَلَوْنَا وَكُلُّ مَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ‏.‏

1220 - مسألة‏:‏

وَمَنْ تَدَايَنَ فَرَهَنَ فِي الْعَقْدِ رَهْنًا صَحِيحًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَدَايَنَا أَيْضًا وَجَعَلاَ ذَلِكَ الرَّهْنَ رَهْنًا عَنْ هَذَا الدَّيْنِ الثَّانِي، فَالْعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، لأََنَّ ذَلِكَ الرَّهْنَ قَدْ صَحَّ فِي الْعَقْدِ الأَوَّلِ، فَلاَ يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى عَقْدٍ آخَر، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، فَهُوَ شَرْعٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَكُلُّ عَقْدٍ انْعَقَدَ عَلَى بَاطِلٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ لَمْ تُعْقَدْ لَهُ صِحَّةٌ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ صِحَّةَ لَهُ، فَلاَ صِحَّةَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1221 - مسألة‏:‏

وَمَنْ رَهَنَ رَهْنًا صَحِيحًا ثُمَّ أَنْصَفَ مِنْ بَعْضِ دَيْنِهِ أَقَلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، لأََنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ فِي جَمِيعِهِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَلاَ يَسْقُطُ عَنْ بَعْضِ الرَّهْنِ حُكْمُ الرَّهْنِ مِنْ أَجْلِ سُقُوطِ بَعْضِ الدَّيْنِ، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ‏.‏ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا‏.‏

فإن قيل‏:‏ كَيْفَ تَمْنَعُونَ مِنْ إخْرَاجِ الرَّهْنِ إِلاَّ بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ، وَتُجِيزُونَ بَيْعَهُ وَعِتْقَهُ وَالصَّدَقَةَ بِهِ، وَهُوَ إخْرَاجٌ لَهُ عَنْ الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ

قلنا‏:‏ لأََنَّ النَّصَّ جَاءَ بِإِيجَابِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُ مَا صَحَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ جُمْلَةً، فَلَمْ يَمْنَعْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ قَطُّ، لاَ فِي قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، فَإِذَا صَارَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا‏}‏ وَعَقْدُ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مَعَ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمِلْكُ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ ارْتِهَانُ مَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ‏.‏ وَنَقُولُ لَهُمْ‏:‏ إنَّ جَمِيعَكُمْ يَعْنِي الْمَالِكِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ‏:‏ أَنْتَ حُرٌّ إذَا قَدِمَ أَبِي أَنَّهُ قَدْ عَقَدَ فِيهِ عَقْدًا لاَ يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ أَبَدًا، وَأَنَّهُ حُرٌّ مَتَى قَدِمَ أَبُوهُ، ثُمَّ لاَ خِلاَفَ بَيْنَكُمْ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ أَبُوهُ وَإِصْدَاقِهِ، وَهِبَتِهِ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ إنْ أَنْصَفْتُمْ أَنَفْسَكُمْ‏.‏

1222 - مسألة‏:‏

وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَرْهَنَ مَالَ غَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلاَ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ، إِلاَّ بِإِذْنِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ رَهْنَهَا، وَلاَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلاَ مَالَ يَتِيمِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ، وَلاَ مَالَ زَوْجَتِهِ‏.‏ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ‏:‏ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ عَنْ نَفْسِهِ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ‏.‏ قَالَ الْمَالِكِيُّونَ‏:‏ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ مَالَ يَتِيمِهِ عَنْ نَفْسِهِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ إذَا أَذِنَ الأَجْنَبِيُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَرْهَنَ مَالَهُ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ‏.‏ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ أَنَّ لِلأَبِ الْوَصِيِّ أَنْ يُودِعَ مَالَ الأَبْنِ وَالْيَتِيمِ، فَإِدْخَالُهُ فِي الذِّمَّةِ أَحَقُّ بِالْجِوَازِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا بَاطِلٌ، لأََنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُمَا إيدَاعُهُ، وَلاَ قَرْضُهُ، إِلاَّ حَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ نَظَرًا وَحِيَاطَةً لِلصَّغِيرِ، وَلاَ نَظَرَ لَهُ أَصْلاً فِي أَنْ يَرْهَنَهُ الأَبُ وَالْوَصِيُّ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، فَهُوَ ضَرَرٌ، فَهُوَ مَرْدُودٌ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ أَذَا خَشِيَ هَلاَكَهَا عِنْدَهُ، وَرَأَى السَّلاَمَةَ فِي إيدَاعِهَا‏:‏ فَيَلْزَمُهُمْ بِهَذَا الاستدلال الْبَدِيعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهَا عَنْ نَفْسِهِ‏.‏ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا صَحَّ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلاَدَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ‏.‏ رُوِّينَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ قَالَ‏:‏، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ بَكْرٌ‏:‏، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ وقال أحمد‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ إنَّمَا هُمَا فِي الأَكْلِ، وَهَكَذَا نَقُولُ‏:‏ يَأْكُلُ مِنْهُ مَا شَاءَ مِنْ بَيْتِهِ وَغَيْر بَيْتِهِ، وَلَيْسَا فِي الْبَيْعِ، وَلاَ فِي الأَرْتِهَانِ، وَلاَ فِي الْهِبَةِ‏.‏ وَلاَ فِي الأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الأَكْلِ‏.‏ قلنا‏:‏ الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكُنْتُمْ قَدْ تَنَاقَضْتُمْ أَفْحَشَ تَنَاقُضٍ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَلاَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ‏}‏ إلَى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا‏}‏ فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الأَكْلَ مِنْ بُيُوتِ الأَصْدِقَاءِ وَاَلَّتِي مَفَاتِحُهَا بِأَيْدِينَا وَبُيُوتِ الْإِخْوَةِ وَالأَخَوَات وَسَائِرِ مَنْ ذُكِرَ فِي الآيَةِ فَأَبِيحُوا الأَرْتِهَانَ مِنْهَا قِيَاسًا عَلَى الأَكْلِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا وَأَنْتُمْ لاَ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَضْتُمْ قِيَاسَكُمْ وَتَرَكْتُمُوهُ وَقَضَيْتُمْ بِفَسَادِهِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْفَسَادِ جُمْلَةً، وَالثَّانِي أَنَّكُمْ لاَ تُجِيزُونَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ إِلاَّ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ، وَلاَ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْهُ شَيْئًا أَصْلاً لِغَيْرِ الْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ إِلاَّ الأَرْتِهَانَ خَاصَّةً، وَعِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ أَنْ يُصَدِّقهُ عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً فَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ وَالتَّحَكُّمُ فِي الدِّينِ بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ الْمُضْطَرِبَةِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد هُوَ الْخُرَيْبِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَنْتَ وَمَالُكَ لأََبِيكَ قال أبو محمد‏:‏ فَأَبَاحُوا بِهِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَأَسْقَطُوا عَنْهُ الْحَدَّ فِي وَطْءِ أَمَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَأَسْقَطُوا عَنْهُ الْحَدَّ فِيمَا سَرَقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ، وَقَضَوْا عَلَى الأَبِ بِضَمَانِهِ وَرَدِّهِ، وَأَبَاحَ الْمَالِكِيُّونَ بِهِ أَنْ يُصَدِّق مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ خَاصَّةً وَيَضْمَنَ الْقِيمَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لأََنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفُوهُ فَلَمْ يُبِيحُوا لِلأَبِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَالْحَدِيثُ عَامٌّ لَمْ يَخُصَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ مِنْ غَيْرِهَا فَلاَ يَجُوزُ لَهُمْ تَخْصِيصُهَا بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ‏.‏ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يُبِيحُوا الأَرْتِهَانَ وَالْإِصْدَاقَ إِلاَّ مِنْ مَالِ الأَبْنِ الصَّغِيرِ لاَ مِنْ مَالِ الأَبْنِ الْكَبِيرِ فَخَالَفُوا الْخَبَرَ وَتُحَكَّمُوا فِي الدَّيْنِ بِالتَّحْرِيمِ، وَالتَّحْلِيلِ بِالدَّعْوَى الْمُبْطِلَةِ بِلاَ بُرْهَانٍ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كَذَبُوا لأََنَّهُ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً صَنَعَ شَيْئًا فِي مَالِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ أَبَاهُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ فَقَالَ‏:‏ اُرْدُدْ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا هُوَ سَهْمٌ مِنْ كِنَانَتِكَ، وَقَدْ صَحَّ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا أَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، هُوَ ابْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ يَأْخُذُ الأَبُ، وَالْأُمُّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلاَ يَأْخُذُ الأَبْنُ وَالأَبْنَةُ مِنْ مَالِ أَبَوَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، وَصَحَّ مِثْلُهُ نَصًّا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْعَبْسِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ سُوَيْد، هُوَ ابْنُ غَفَلَةَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ مِنْ قَوْلِهَا ‏;‏ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى الأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الأَزْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُبَابُ بْنُ فَضَالَةَ بْنِ هُرْمُزَ الْحَنَفِيُّ قَالَ‏:‏ قُلْت لأََنَسِ بْنِ مَالِكٍ‏:‏ جَارِيَةٌ لِي غَلَبَنِي عَلَيْهَا أَبِي لَمْ يَخْلِطُهَا مَالٌ لأََبِي فَقَالَ لِي أَنَسٌ‏:‏ هِيَ لَهُ، أَنْتَ وَمَالُك مِنْ كَسْبِهِ، أَنْتَ وَمَالُك لَهُ حَلاَلٌ، وَمَالُهُ عَلَيْك حَرَامٌ إِلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا أَبُو قِلاَبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ أَوْلاَدُكُمْ هِبَةُ اللَّهِ لَكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ لَكُمْ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَتَاهُ أَبٌ وَابْنٌ وَالأَبْنُ يَطْلُبُ أَبَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَقْرَضَهُ إيَّاهَا وَالأَبُ يَقُولُ‏:‏ إنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِ الأَبْنِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ الأَبِ فَقَالَ‏:‏ هَذَا وَمَالُهُ مَنْ هِبَةِ اللَّهِ لَك‏.‏ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نَحْوُ هَذَا وَأَنَّهُ قَضَى بِمَالِ الْوَلَدِ لِلْوَالِدِ وَجَوَّزَ مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ كَانَ عَطَاءٌ لاَ يَرَى بَأْسًا بِأَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ‏:‏ أَنْتَ مِنْ هِبَةِ اللَّهِ لأََبِيك، أَنْتَ وَمَالُك لأََبِيك‏.‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، هُوَ ابْنُ حَيٍّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَكَمِ، قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ إِلاَّ الْفَرْجَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ‏:‏ الْوَالِد فِي حِلٍّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إِلاَّ الْفَرْجَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ خَاصَمَ أَبَاهُ إلَى الشَّعْبِيِّ فِي مَالٍ لَهُ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ لِعَبْدِ اللَّهِ، أَجْعَلُك وَمَالَك لَهُ يَعْنِي لِوَلَدِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ الرَّجُلُ فِي حِلٍّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يُضَارّهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ‏:‏ الْوَالِدُ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ وَالْوَلَدُ لاَ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ‏:‏ يَأْخُذُ الْوَالِدَانِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِمَا مَا شَاءَا

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ سَمِعْت الْحَسَنَ وَسَأَلَهُ سَائِلٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ وَالِدِهِ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ‏:‏ أَنْتَ وَمَالُك لأََبِيك، أَمَا عَلِمْت أَنَّك عَبْدُ أَبِيك وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً تَسُرَّاهَا، قَالَ قَتَادَةَ‏:‏ لَمْ يُعْجِبْنِي مَا قَالَ فِي الْجَارِيَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إِلاَّ الْفَرْجَ‏.‏ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا إِلاَّ الْفَرْجَ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى‏:‏ لاَ يَغْرَمُ الأَبُ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَالِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَا نَعْلَمُ خِلاَفًا مِنْ الصَّحَابَةِ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُمْ‏:‏ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَسٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، إِلاَّ رِوَايَةً صَحَّتْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَصِحَّ‏.‏ وَلاَ نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّابِعِينَ مُخَالِفًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلاَّ ابْنَ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيَّ، وَمُجَاهِدًا، بِاخْتِلاَفِ عَنْهُمْ وَالزُّهْرِيَّ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ كَقَوْلِنَا‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْلَى بِمَالِهِ يَعْنِي الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ‏.‏

وبه إلى عَبْدٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ لَيْسَ لِلأَبِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ إِلاَّ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ شَرَابٍ، أَوْ لِبَاسٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ لاَ يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَحْتَاجَ فَيُسْتَنْفَقَ بِالْمَعْرُوفِ، يَعُولُهُ ابْنُهُ، كَمَا كَانَ الأَبُ يَعُولُهُ، فأما إذَا كَانَ الأَبُ مُوسِرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ فَيَبْقَى بِهِ مَالُهُ، أَوْ يَضَعُهُ فِي مَا لاَ يَحِلُّ قَالَ‏:‏ فَإِذَا كَانَتْ أُمُّ الْيَتِيمِ مُحْتَاجَةً أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ، يَدُهَا مَعَ يَدِهِ، وَالْمُوسِرَةُ لاَ شَيْءَ لَهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ خُذْ مِنْ مَالِ وَلَدِك مَا أَعْطَيْته، وَلاَ تَأْخُذْ مِنْهُ مَا لَمْ تُعْطِهِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ‏:‏ إنَّ أَبِي يَحْرِمْنِي مَالَهُ فَقَالَ لَهُ جَابِرٌ‏:‏ كُلْ مَنْ مَالِ أَبِيك بِالْمَعْرُوفِ‏.‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَحَرَ جَزُورًا فَجَاءَ سَائِلٌ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ مَا هِيَ لِي فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ‏:‏ يَا أَبَتَاهُ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ، أَطْعِمْ مِنْهَا مَا شِئْت‏.‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَالِ وَلَدِهِ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَإِذَا كَبُرَ وَاحْتَازَ مَالَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ يَقُولُ ابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، نَقُولُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي الأَكْلِ خَاصَّةً فَإِنَّ لِلأَبِ وَالْأُمِّ أَنْ يَأْكُلاَ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ حَيْثُ وَجَدَاهُ مِنْ بَيْتٍ أَوْ غَيْرِ بَيْتٍ فَقَطْ ثُمَّ لاَ شَيْءَ لَهُمَا، وَلاَ حُكْمَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، لاَ بِعِتْقِ، وَلاَ بِإِصْدَاقِ، وَلاَ بِارْتِهَانِ، إِلاَّ إنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ، فَيَأْخُذُ الْفَقِيرُ مِنْهُمَا مَا احْتَاجَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مِنْ كِسْوَةٍ، وَأَكْلٍ، وَسُكْنَى، وَخِدْمَةٍ، وَمَا احْتَاجَا إلَيْهِ فَقَطْ‏.‏

وَأَمَّا الْوَلَدُ فَيَأْكُلُ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ، وَبَيْتِ أُمِّهِ مَا شَاءَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، وَلاَ يَأْكُلُ مِنْ غَيْرِ الْبَيْتِ شَيْئًا، كَمَا جَاءَتْ النُّصُوصُ، لاَ يَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ احْتَاجَ أَخَذَ أَيْضًا كَمَا قلنا فِي الْوَالِدَيْنِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى‏}‏ ثُمَّ الْحُدُودُ، وَالأَحْكَامُ لاَزِمَةٌ لِلأَبِ فِي جَارِيَةِ وَلَدِهِ، وَفِي مَالِ وَلَدِهِ، وَلاَزِمَةٌ لِلأَبْنِ فِي جَارِيَةِ أَبِيهِ، وَأُمِّهِ، وَمَالِهِمَا، كَمَا هِيَ فِيمَا بَيْنَ الأَجْنَبِيَّيْنِ سَوَاءٌ‏.‏ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ يُشَنِّعُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ إذَا وَافَقَ شَهَوَاتهمْ، وَيَجْعَلُونَهُ إجْمَاعًا وَيَكْذِبُونَ فِي ذَلِكَ‏.‏ وَأَقْرَبُ ذَلِكَ‏:‏ مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَعْوَى الْحَنَفِيِّينَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَضْمِينِ الرَّهْنِ، وَلَيْسَ مِنْهُ إِلاَّ رِوَايَاتٌ لاَ تَصِحُّ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعَلِيٍّ فَقَطْ‏.‏ وَقَدْ صَحَّتْ عَنْ عَلِيٍّ رِوَايَةٌ بِإِسْقَاطِ التَّضْمِينِ إذَا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، ثُمَّ لاَ يَرَوْنَ هَاهُنَا مَا قَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم حُجَّةٌ أَصْلاً، وَلاَ يَلْتَفِتُونَ إلَيْهِ، إِلاَّ رِوَايَةً عَنْ عُمَرَ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْحَنَفِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً خَاصَمَ أَبَاهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي مَالٍ أَخَذَهُ لَهُ أَبُوهُ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ أَمَّا مَا كَانَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ، وَأَمَّا مَا اسْتَهْلَكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ‏.‏ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَذَا أَيْضًا، مَعَ أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ، لأََنَّهَا عَمَّنْ لاَ يَدْرِي مَنْ هُوَ أَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَعْجَبْ الْعَجَبِ وَمِمَّا يَنْبَغِي لِذِي الْحَيَاءِ أَنْ يَهَابَهُ، وَلِذِي الدِّينِ أَنْ يُفَرِّقَهُ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَأَنْتُمْ الْقَائِلُونَ بِكُلِّ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِمَ اسْتَحْلَلْتُمْ تَرْكَ الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ أَنْتَ وَمَالُكَ لأََبِيكَ‏.‏ قلنا‏:‏ يُعِيذُنَا اللَّهُ مِنْ أَنْ نَتْرُكَ خَبَرًا صَحَّ عَنْهُ عليه السلام، وَلَوْ أُجْلِبُ عَلَيْنَا مِنْ بَيْنِ الْبَحْرَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَصِحَّ نَسْخُهُ وهذا الخبر مَنْسُوخٌ لاَ شَكَّ فِيهِ لأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ بِمِيرَاثِ الأَبَوَيْنِ، وَالزَّوْجِ، وَالزَّوْجَةِ، وَالْبَنِينَ، وَالْبَنَاتِ، مِنْ مَالِ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ، وَأَبَاحَ فِي الْقُرْآنِ لِكُلِّ مَالِك أَمَةٍ وَطْأَهَا بِمِلْكِ يَمِينِهِ، وَحَرَّمَهَا عَلَى مَنْ لاَ يَمْلِكُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ فَدَخَلَ فِي هَذَا مَنْ لَهُ وَالِدٌ، وَمَنْ لاَ وَالِدَ لَهُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ مَالَ الْوَلَدِ لَهُ بِيَقِينِ، لاَ لأََبَوَيْهِ، وَلاَ حَقَّ لَهُمَا فِيهِ إِلاَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ مِمَّا ذَكَرْنَا‏:‏ مِنْ الأَكْلِ، أَوْ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَقَطْ‏.‏ وَلَوْ كَانَ مَالُ الْوَلَدِ لِلْوَالِدِ لَمَا وَرِثَتْ زَوْجَةُ الْوَلَدِ، وَلاَ زَوْجُ الْبِنْتِ، وَلاَ أَوْلاَدُهُمَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، لأََنَّهُ مَالٌ لأَِنْسَانِ حَيٍّ، وَلاَ كَانَ يَحِلُّ لِذِي وَالِدٍ أَنْ يَطَأَ جَارِيَتَهُ أَصْلاً، لأََنَّهَا لأََبِيهِ كَانَتْ تَكُونُ‏.‏ فَصَحَّ بِوُرُودِ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَبَقَائِهِمَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثَابِتَيْنِ غَيْرِ مَنْسُوخَيْنِ‏:‏ أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرُ مَنْسُوخٌ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا صَحَّ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ‏:‏ أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَمَةً، أَوْ عَبْدًا لَهُمَا وَالِدٌ فَإِنَّ مِلْكَهُمَا لِمَالِكِهِمَا، لاَ لأََبِيهِمَا‏.‏ فَصَحَّ أَيْضًا‏:‏ أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام‏:‏ إنَّهُ لأََبِيهِ مَنْسُوخٌ، وَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَهَذَا مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ بِالأَثَرِ وَخَالَفُوا ذَلِكَ الأَثَرَ نَفْسَهُ‏.‏

وَأَمَّا رَهْنُ الْمَرْءِ السِّلْعَةَ تَكُونُ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا فَإِنَّ الرَّهْنَ لاَ يَجُوزُ إخْرَاجُهُ عَنْ الأَرْتِهَانِ إِلاَّ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ، أَوْ بِهَلاَكِهِ، أَوْ بِاسْتِحَالَتِهِ، حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ الأَسْمُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حِينَ رُهِنَ، أَوْ بِقَضَاءِ الْحَقِّ الَّذِي رُهِنَ عَنْهُ، فَالْتِزَامُ غَيْرِ الرَّاهِنِ لِلرَّاهِنِ هَذَا كُلُّهُ فِي سِلْعَتِهِ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَخْذُ سِلْعَتِهِ مَتَى شَاءَ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لأََنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الرُّهُونِ فِيمَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ رَهْنًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1223 - مسألة‏:‏

وَإِذَا اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ، أَوْ بَعْضُهُ‏:‏ بَطَلَتْ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا، لأََنَّهُمَا تَعَاقَدَا صِحَّتَهَا بِصِحَّةِ الرَّهْنِ، وَلَمْ يَتَعَاقَدَا قَطُّ تِلْكَ الْمُدَايَنَةَ إِلاَّ عَلَى صِحَّةِ الرَّهْنِ، وَذَلِكَ الرَّهْنُ لاَ صِحَّةَ لَهُ، تِلْكَ الْمُدَايَنَةُ لَمْ تَصِحَّ قَطُّ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1224 - مسألة‏:‏

وَإِذَا رَهَنَ جَمَاعَةٌ رَهْنًا هُوَ لَهُمْ عِنْدَ وَاحِدٍ، أَوْ رَهَنَ وَاحِدٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ، فَأَيُّ الْجَمَاعَةِ قَضَى مَا عَلَيْهِ خَرَجَ حَقُّهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّهْنِ عَنْ الأَرْتِهَانِ، وَبَقِيَ نَصِيبُ شُرَكَائِهِ رَهْنًا بِحَسَبِهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ إنْ قَضَى الْوَاحِدُ بَعْضَ الْجَمَاعَةِ حَقَّهُ دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ سَقَطَ حَقُّ الْمَقْضِيِّ فِي الأَرْتِهَانِ، وَرَجَعَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ، وَبَقِيَتْ حِصَصُ شُرَكَائِهِ رَهْنًا بِحَسَبِهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1225 - مسألة‏:‏

وَلاَ حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ فِي شَيْءٍ مِنْ رَقَبَةِ الرَّهْنِ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةٌ فَوَطِئَهَا فَهُوَ زَانٍ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَذَلِكَ الْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلرَّاهِنِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ فَالأَمَةُ بِلاَ خِلاَفٍ لَيْسَتْ فِرَاشًا لِلْمُرْتَهِنِ، وَلاَ مِلْكَ يَمِينٍ لَهُ، فَهُوَ مُعْتَدٍ عَاهِرٌ‏"‏‏.‏ 1226 - مسألة‏:‏

وَرَهْنُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ جَائِزٌ طُبِعَتْ أَوْ لَمْ تُطْبَعْ‏.‏ قَالَ مَالِكٌ‏:‏ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ تُطْبَعَ وَهَذَا قَوْلٌ لاَ نَعْلَمُهُ لأََحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَئِنْ كَانَ يُخَافُ انْتِفَاعٌ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَمَخُوفٍ عَلَى كُلِّ مَا يُرْهَنُ، وَلاَ فَرْقَ، وَلاَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ‏:‏ إنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لاَ تَتَعَيَّنُ، وَإِنَّ امْرَأً لَوْ غَصَبَ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِرَدِّهِمَا بِعَيْنِهِمَا، وَإِنْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ مِثْلُهُمَا‏.‏ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا مَعَ قَوْلِهِ فِي طَبْعِهِمَا فِي الرَّهْنِ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ تَمَّ ‏"‏ كِتَابُ الرَّهْنِ ‏"‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏